لسنا بخير

في حلقة “بودكاست ثمانية” قبل مدة استضاف عبدالرحمن أبو مالح الدكتور همّام يحيى، كان الحديث معه شيقاً ومفيداً ومؤلماً أيضاً.

أذكر أنّه في معرض حديثه عن الغربة قال كلمة لا تزال عالقة في ذاكرتي، قال: “إنّ الغربة تفرض على المغترب أن يكون كبيرَ نفسه” ويقصد أننا في أوطاننا غالباً ما يكون لنا مرجعية فكرية أو شرعية أو اجتماعية، ومهما كبر المرء في العمر يشعر أنّه في بعض القضايا بحاجة لاستشارة شخص ثقة.

أما في الغربة فهو خلوٌ من هذا السند، إما اكتفاءً بالاستقلال الذاتي، أو نقصاً حقيقياً لهذا السند.

نحن الذين غادرنا بلادنا كرهاً، هرباً من الموت، أو نجاة بأنفسنا من الاعتقال والقتل، فجأة أصبحنا وحدنا أمام الريح، مطلوبٌ منّا أن نكون إخوة وأصدقاء وزملاء عمل، وموظفين في النهار وأزواجاً صالحين، وآباء لطفاء، ومدراء مشاريع صغيرة، ومخططي رحلات.

وفي حمأة هذا السعي الدؤوب الذي لا ينتهي، ألا يحق لنا أن نسأل أنفسنا: ونحن إذا تعبنا إلى من نلجأ؟ حين يعترينا الشك والقلق، حين يأكلنا الندم والخوف، حين نقف على مفترق طرق كيف نقرر الطريق الصواب؟ أليس من حقنا كتفٌ نسند رأسنا المتعبة عليه؟ أليس من حقنا صدرٌ رحب يستقبل أسئلتنا الشائكة، ويهدهد على أرواحنا المتعبة؟

قبل مدّة كنت أمازح صديقي وقلت له: لو تهيأ لك أن تعرض نفسك على طبيب نفسي هل توافق؟ قال لي بلا تردد: طبعاً بشرط أن يكون خبيراً.

أحلامنا المثقوبة، وحقائبنا المبعثرة التي خرجنا بها بعد 7 سنين ثورة آن لها أن يُعاد النظر فيها، علينا أن نعترف أننا تعبنا، هذا التعب مرهون بقدرتنا على الصدق مع أنفسنا أولاً، بألا نخشى نظرة الآخرين لنا، بأن نتخلى عن لعب دور البطولة دوماً، الاعتراف بأننا لم نعد نقوى على حمل كل هذه الأثقال وحدنا.

لسنا بخير، ليس استسلاماً بل اعترافاً، ولعل هذا أول طريق الحلّ.

2 تعليقات

اترك رد