صدحَ “العصفور الأزرق” بأولى تغريداته وبالتحديد في 21 آذار 2006م بتغريدة من جاك دورسي معلناً بداية عصر كتابة جديد، ومنذ ذلك الوقت تقلّصت مساحة الكلمة المؤثرة لتغدو مصبوبة في 140 حرفاً ( قبل أن يسمح لها بأن تتمدد لـ 280 قبل سنة تقريباً).
just setting up my twttr
— jack (@jack) ٢١ مارس ٢٠٠٦
بعد سنة تقريباً دُشّن ما يعرف باسم [ الوسم/ الهاشتاغ ] ليُجترح مصطلح جديد سيكون له تبعات كثيرة أبرزها فكرة [ الترند] التي سترفع أقواماً وتضع آخرين.
ومع اعتياد الناس على مواقع التواصل الاجتماعي وتويتر بشكل خاص أضحت الكلمة السريعة المختصرة، والخبر المباشر هو المفضّل لدى غالبية المتابعين، حتى إنّ بعض المحللين أجروا دراسة على أكثر التغريدات حصولاً على تفاعل مضاعف فوجدوا أنّ التغريدات التي لا يتعدى عدد حروفها 80 حرفاً هي الأكثر تفاعلاً ومشاركة.
هذه “الكبسلة” للأفكار والعلوم والاختصار المخلّ أحياناً جرّ وراءه تبعات؛ بدأت تظهر جلياً في المتلقي.
فالقارئ أصبحَ ملولاً بشكل كبير، ولا يقدر على قراءة 6 أسطر متتالية دون أن يصيبه الملل والسأم، لذا تراه يفزع إلى تويتر ليجد النكتة الحاضرة، والصورة البسيطة، والخبر السريع.
طبعاً لا يعني هذا أنّ تويتر شراً محضاً، لكن هذه المنصة وغيرها أيضاً تحوّلت غايتها من كونها منصة لتداول الأخبار السريعة والتسويق للذات أو للأفكار أو المنتجات، إلى غاية بحد ذاتها للحضور والمشاركة الفورية، وبالتالي فقدت كثيرُ من الأفكار قيمتها باستسهال تداولها أو بالتعبير الباوماني* [ سيولتها ] فالكتابة حاضرة ودون رقيب، وحتى في الغالب دون محاكمة أو تروي، مما يجعل مجرّد الكتابة غاية بحد ذاتها إثباتاً للحضور.
وقد تنبأ بعض الكتّاب أن تويتر سيسرق الأضواء من المدونات [ الأب الشرعي لتويتر ] لأنّ قارئ المدونات قارئ يبحث عن الفائدة بنَفَس طويل وبعيداً عن ضغط اللحظة الراهنة.
ما أريد قوله في هذه الخاطرة السريعة 4 أمور:
- إدمان تويتر _خصوصاً_ يحفر في النفس الزهد بالمطوّلات [ قراءة وسماعاً ومشاهدةً ] فيغدو القصير والمركّز هو المطلوب دوماً بحجة الهضم والاستيعاب، وهذا شيء غير صحّيّ أبداً.
- المدونات الطويلة والمتوسطة حسب ظنّي لن تختفي، لكن جمهورها سيغدو أكثر نخبوية [ آسف على كلمة نخبوية لمن لديهم حساسية منها لكن القصد أنّ قارئ المدونات هو باحث عنها بعكس منصات التواصل الاجتماعي الذي هو متعرّض لها ].
- تدوين اليوميات أسلوب جيّد للمحافظة على اللياقة الكتابية المتوسطة والطويلة، بعيداً عن ضغط الإعجاب والتعليق والمشاركة.
- دوّنوا أرجوكم.. لا تتوقفوا.
إمبرتو إيكو له جملة مشهورة بخصوص مواقع التواصل الاجتماعي وهذه قصتها
نرجو ألا نكون من البلهاء والحمقى الذين عناهم العمّ إيكو..
طبعاً هذه التدوينة لو لم أتوقف عن التغريد خلال شهر رمضان لما استطعتُ كتابتها، وأظنّ هذا أكبر دليل على صحة ما كتبت 😊
===
- الباوماني: نسبة لعالم الاجتماع الشهير “زيغمونت باومان” صاحبة سلسلة السوائل المشهورة، للاطلاع عليها هنا
[…] حين تتفوق الساقية على النهر 8 مايو,2019 […]
اهم نصيحة دونوا ارجوكم .. لا تتوقفوا بالنسبة لي اهم نصيحة واكثر نصيحة لا اطبقها للاسف ، انقطعت عن التدوين سنة واعترف أن العودة بعد الانقطاع تبدو صعبة بعض الشيء لأن اللياقة الكتابية تأثرت جدا 😑
كلامك صحيح ميمونة.. نفس الأمر حصل معي والله ولأني خشيتُ من استمرار هذا عزمت على البدء، الكتابة مثلها مثل بناء الأجسام والعضلات، حين تُهمل فترة طويلة تتضمحل أو تضعف.
لكن الشيء المبشّر أنّك بمجرد العودة والمداومة لمدة قصيرة تعود لك اللياقة.
أنتظر أن تخبريني بعودتك للتدوين مرّة ثانية
عدتُ هذا الشهر وبإذن الله أنوي الاستمرار
كل التوفيق لك ميمونة، الله يفتح عليك