حلب .. والبقية تأتي

لا تلوموا من طوّقه العجز، ولا تنثالوا بالتقريع على من ألجمته دموعه عن الكلام، لا تثبطوا الناس عن تفريغ قهرها وحزنها غضباً وصراخاً ، والأهم من ذلك؛ لا تنصّبوا أنفسكم آلهة على تصرفاتهم !

بخاطرك يا حلب ..

جمعَ في كيس أسودَ _ هو كلّ ما يملكه_  أشهى ذكرياته، حشاه بأوراقٍ ملوّنة كان يسلّي نفسه بها في الليالي المعتمة بعد هدوء القصف اللئيم على حيّه،ولم ينسَ قفصَ عصفوره الحزين، حمله معه أيضاً، لم يرضَ أن يتركه وحيداً يواجه مصيراً مجهولاً مع أوغادٍ قتلوا الحجرَ قبل البشر، وعاثوا فساداً في الأرض.

المراثي لا تليق بالأبطال، هم وحدهم من يقفون عرايا أمام الموت بوجهٍ ضاحك، يسخرون من أعداءهم الذين يظنون أنّهم غالبون ..

جرتْ عادة الأيّام أن يكون المرابطون داخل الحصار هم من يثبتون الناس خارجه، شهدتها بنفسي في حمص المحاصرة، وهاأنذا أراها مرةً ثانيةً في حلب العزّ، كيف يغدو الغريب ينتظر إشارةً من المحاصَر كي يقول له: لا تخف يا أخي أنا بخير، المهم أن تكون أنتَ بخير !

أن يستمد الجميع قوتهم من الجميع، أن تُنار مشاعل الإخوة مرّة ثانية بعد أن كادت تنطفئ تحت وطأة الشحناء والبغضاء والتفرّق الممقوت، عادت حمص الجريحة لتنادي_ رغم جرحها المستمر من سنوات _ ” يا حلب حمص معاكِ للموت” ولبّى النداء أحرارٌ من العالم كلّه، وتخلّف عن الركب من فقد براءة إنسانيته وانسلخ عن عروبته ودينه فرقصَ على جثث إخوته، أو تشمّت بموتهم القاسي، ولهؤلاء بالذات أعددنا ذاكرةً صُلبة، وصدراً مملوءاً حقداً وغضباً.

التلاوم ليس وقته الآن، تضميد الجراح أولى، والعتبُ مرفوعٌ إلى أجل مسمّىً، ولعق الدموع أولى من تشميت شذّاذ الآفاق بنا، فالحرّ لا يضيمه الكسر طالما روحه عالية ..

يقول صديقي عبد الله مودان وقد صدق:

“لم تُهزم حلب بمعايير صحيحة، ولم تسقط لو كان هناك عدل في الخصومات والحروب، فحلب انتصرت على عدوها الحقيقي، وهزمت نظام الأسد في كل مكان، وأهل الأرض مرغوا أنف النظام في التراب، قبل أن يستدعي بدوره أعداء مستعارين من المشارق والمغارب”.

هذه مرحلة جديدة نطوي فيها كسلنا وتراخينا، ونشحذّ سكاكين عقولنا وقلوبنا، ونجدّد العهد على القسم الذي أقسمناه أول المسيرة، ألا نتخاذل ولا نترك هذه الثورة حتى نهلكَ دونها أو ننتصر !

والله غالب ..

==

هذا شعبٌ يحبّ الحياة ولا يليق به سوى النصر

بعض الجداريات التي تركها أبناء المدينة قبل تهجيرهم اليوم ..

5 تعليقات

  1. مع ذلك،لا أدري ماذا أقول ولا توجد عندي كلمات تصف ما يحدث، عقلي لا يستوعب حجم الكارثة واتجنب التفكير في سياقات ما حدث في حلب لكي لا أصل إلى طريق مسدود
    قرأت الكثير من الكتابات التي تحلل ما جرى وعندي يقين بأنه يوم من أيام الله والله غالب على أمره
    لكن كلما ذكرت حلب ومن قبلها حمص في نفسي تنقبض روحي
    لا أصدق أن هذا كله حدث في ظرف خمس سنوات فقط! كل هذا الدمار والتهجير وتصفية الحسابات الدولية جرى على هذه البقعة الصغيرة من الارض في هذا الزمن القصير
    كلما تذكرت ان الامر لم يعد ببساطة ما كان عليه أول الثورة أشعر بالحزن والعجز
    ليس من عادتي التشاؤم لكن لا استطيع تجاوز كل هذه المأساة
    أسأل الله أن يعين أهلنا في حلب ويلهمهم الصبر والإيمان وأن يثبتهم أمام هذا الحدث الجلل
    وارجو من الله أن يوفقنا جميعا كي نكون من القوة على قدر هذه الكارثة

    • معكم حق في ذلك لأنّ الأمر ليس هيناً
      نسأل الله السداد في الرؤية وحسن الاعتبار في الأيام القادمة لأننا إذا لم نفهم الدروس من المصائب كانت مصائبنا مضاعفة
      والاستعانة بالله في هذه الظروف خير سلاح
      وفقكم الله يا شفق !

اترك رد