“السرقة” التي لا تقتُلك .. تعلّمُك !

“أنتَ في إسطنبول يا عزيزي .. أنتَ في إسطنبول

بهذه الكلمات استقبلني الشرطيّ المسؤول عن كتابة الإفادة الخاصة بي، بعد أن سُرق منزلي وأنا نائمٌ قبل أسبوعين تقريباً، ليؤكّد لي _وكأنّ الأمر عاديّ جداً _ أنّك طالما تقطنُ في إسطنبول فلا بدّ لك من أن تُلسع يوماً ما بحادثة سرقة ولو بسيطة..
ويبدو أنّ السارق _ لا بارك الله فيه _ لصٌّ محترف، ولابدّ أنّه يعرف تحركاتي ومواعيدي، ويراقبني منذ مدة ليست بالقصيرة حتى استطاع التسلل فجراً إلى المنزل وسرقة ما خفّ حمله وغلا ثمنه..

لمدة أسبوع بعد الحادثة وأنا داخلٌ في “صدمة” .. صدمة من السرقة كأول حادث غريب أتعرّض له في تركيا، فدخول سارقٍ إلى منزلك وأنت نائم؛ و من ثم تخديرك بمخدّر، و قيانه بسرقة متاعك دون أن تشعر “فكرة مرعبة” بحد ذاتها، فلو أنّه أقدمَ مثلاً على قتلي وأنا نائم لما شعرتُ بذلك، ولربما تمرّ أيام قبل أن يكتشف أحد من الجيران أمرنا ..

حسب ماقرأتُ وسمعتُ من قصص عن ” السرقة في إسطنبول ” فيبدو أنّ الأمر أكبر من مجرد حادث عابر يحصل لغريب (يمكنك الاطلاع على بعض القصص هنا ) بل هو أقرب إلى ” العمليات المنظمة ” والتي تخضع لنظام العصابات، حيث تغدو السرقة عامل جذب لكثير من الشبانّ والفتيات والصغار ،كونها عملية سريعة ذات مردود وافر ولا تحتاج إلا لجرأة ودراسة الضحية دراسة وافية للانقضاض عليه حين تحين الفرصة المناسبة، وقد زادت نسبة السرقة بشكل ملحوظ بُعيد عملية الانقلاب الذي شهدته البلاد في 15 تموز الماضي، حيث أنّ أغلب الأتراك والعرب عموماً خرجوا للساحات تعبيراً عن رفضهم لما جرى، وتركوا بيوتهم لأوقات طويلة ، فكانت فرصة ذهبية لانتشار اللصوص بشكل كبير، في ظل الفوضى والفرح الغامر بحيث ، أنّ أغلب السلطات الحكومية يكون تركيزها على ملاحقة أفراد “الكيان الموازي” وغير متفرغين لحالات السرقة التي يستغل اللصوص الفلتان الأمني فيها لتحقيق مآربهم ..

دائماً ما يكون ” اللاجئ” أو ” الغريب ” هو الحلقة الأضعف في بلد المهجر ، مما يجعله هدفاً مستساغاً ، ولا أنفي بعض حالات السرقة التي سمعتُ عنها للأتراك الأصليين، لكنها لا تُقارن بمثيلاتها للأجانب ( سواء كانوا سيّاحاً أو مقيمين ) وللأسف فإنّ عملية الملاحقة الأمنية للسارقين، أو تتبع المسروقات تعد من المستحيلات، ونادراً ما يتم إرجاع المسروقات لأصحابها ( إلا في حالات نادرة جداً وقليلة مقارنة مع حجم السرقات ) وفي هذا تقصيرٌ واضح من الجهات المعنيّة، وبعض الأصدقاء أخبرني أنّ جهاز الشرطة _ أحياناً _ يكون متعاوناً مع العصابات كأي مؤسسة حكومية يتخللها الفساد في بعض أفرادها، فتكون العلاقة بينهما قائمة على مبدأ ( المساندة غير المرئية ) وإلا فبماذا يمكن تبرير الآلاف من حالات السرقة ، والتي يكون فيها تصوير كامل للعملية على أجهزة المراقبة، ومع ذلك لا يتم العثور على الجاني؟ ولا يتم ملاحقته أو محاكمته !!!

تتعدد مظاهر السرقة في إسطنبول ؛ فمن الاقتحام المسلّح إلى التسلل ليلاً أو نهاراً إلى المنازل، أو سرقة السيارات ، أو سرقة أجهزة الموبايلات في وسائل النقل الداخلي ( الميترو أو الميتروبوس والباصات والترام) أو  الاعتداء المباشر في الشوارع العامة والمولات والحدائق، إلى التعرّض للابتزاز أو ” التشليح”
( لا تظنّ أنّ إسطنبول كلّها هكذا، لقد مكثتُ فيها ستة أشهر لم أتعرض خلالها لأي عملية سرقة وكنت أخرج من بيتي الساعة الثالثة فجراً لا أخشى على نفسي ولا على زوجي شيئاً ) لكني لا أنكر أنّها _ وفي مناطق معينة _ تغدو مدينة خطرة ، إذ أنّها تحوي أكثر من 14 مليون نسمة من مجموع سكان تركيا البالغ 76 مليون نسمة، بينهم 4 مليون سائح كلّ سنة ، لتتربع على قائمة البلدان الأكثر ازدحاماً في العالم بعد كلّ من الصين واليابان والولايات المتحدة والهند ومصر، وهذا يفسر نوعاً ما حالات السرقة الكثيفة في منطقة مكتظة سكانياً ..

هذا بالنسبة للشق الأول من التدوينة وهو عن ” السرقة في إسطنبول ” أما الشق الثاني فهو نصائح وإرشادات لتقليل خطر التعرض للسرقة، أو على الأقل لفت نظر للأساليب الوقائية التي يمكنها أن تحميك ولو مؤقتاً من السرقة.

لا يوجد وصفة شاملة يمكن أن يتبعها المرء كي يحمي نفسه كلياً من السرقة، إذ أنّ الأمر أشبه ما يكون “بلعبة حظ ” فقد تترك الأمر على غاربه ومع ذلك لا تتعرض لأي حادث، وفي المقابل يمكن أن تتخذ كل الإجراءات والاحترازات ومع ذلك تسقط فريسة لهم، فالأمر في النهاية لإراحة ضميرك من أنّك اتخذت كل الأسباب الوقائية للابتعاد عن أن تكون ضحيةً ..

أهم الإرشادات العامة :

  • مكان السكن مهم جداً ، واستئجارك في أماكن معينة قد يكون سبباً رئيساً لتعرضك للسرقة، فهناك بعض المناطق المشهورة جداً بشعبيتها، مجرد السكنى فيها يرفع من معدلات يعرضك لحالات اعتداء وسرقة، فاعمل جاهداً أن تعتني باختيار مكان سكنك ( يفضل طبعاً السكنى في مجمعات تكون مأمنة ، وفيها كاميرات مراقبة، أو يكون الدخول والخروج منها ببطاقة معدنية خاصة تُمنح لأهل هذه المجمعات، وتعتبر من أكثر الأماكن أمناً ) وإن لم تستطع ذلك فلا أقلّ من اختيار أماكن سمعتها العامة جيّدة.
  • تأمين أموالك في البنك والاعتماد على بطاقة الصرّاف : حاول إن كان لديك مبلغٌ من المال ( أي رقم فوق الـ 500 دولار يعتبر مالاً يحق لك أن تخاف عليه)  أن تودعه في البنك، وأن تستخدم بطاقة الصرّاف لشراء حاجياتك، وفعلياً أغلب الأتراك؛ حتى محدودي الدخل يستخدمون بطاقة الصرّاف ، وهي سهلة الاستخدام وتوفر عليك عناء وهمّ سرقة أموالك .
  • إن كان لديك مجوهرات ثمينة أو مصاغ غير ملبوس فيمكنك استئجار صندوق أمانات في أي بنك ، لتضع فيه ما تخشى سرقته ( وهذه النقطة التي غفلتُ عنها وتعلمتُ الدرس جيداً ولكن بعد فوات الآوان للآسف ) .
  • في حال استئجارك منزل جديد، فليكن أول ما تفعله هو تغيير ” قفل الباب” وشراء قفل جديد ( حتى لو كان البيت حديثاً ولم يسكنه أحد قبلك ) ولزيادة الأمان يفضل أن تجعل لباب منزلك ” قفل داخلي معلّق ” تغلقه من الداخل بصعّب على اللصوص اقتحام بيتك إن تمكنوا من تجاوز الأقفال العاديّة .
  • ارغب بالطوابق العالية عن الأرضية: كلّما ارتفعت في الطوابق، كلما قلّ خطر تعرضك للسرقة، حيث يكون الدخول إليه محصوراً في منفذ واحد وهو الباب، على عكس البيوت الأخرة التي تكون فيها النوافذ ثغرة خطيرة يمكن للسارق أن يتسلل من خلالها، وإن اضطررت لآخذ منزل منخفض اسعَ أن يكون للنوافذ سورٌ حديديٌّ يحميها ، أو ضعه أنتَ بنفسك؛ ولو تكلّفت قليلاً ففي النهاية أنتَ تشتري أمانك.
  • في الشارع والحديقة والمول والمواصلات كن على حذر من أن تتعرض للنشل نتيجة الازدحام، وفي حالات الوقوف الطويل في طوابير المواصلات يفضل أن تحمل الجوال أو الحقيبة الخاصة بك في يدك أو تضعها في حقيبة ظهر خفيفة أو متوسطة على جانبك ، وللنساء خصوصاً ألا يضعن حقائبهنّ على عاتق واحد، بل يفضّل أن تجعلها على عاتقها ووسطها ( تلبسها بشكل عرضي ) حتى إذا حاول أحدهم شدها بقيت معلّقة في رقبتها .
  • لا تحمل مبالغ ماليّة كبيرة معك، وحاول ألا تخرج أموالك لتعدها مثلاً في أماكن عامة، وكن حذراً بعد استخدامك الصرّاف.
  • نوّع طرق ذهابك للمنزل وعودتك إليه، ولا تتخذ طريقاً واحداً .
  • اترك لمبة مضاءة في إحدى الغرف ليلاً و أثناء النوم ( بعينك الله ع فاتورة الكهرباء آخر الشهر ) لكنها وسيلة تعمية للص أنّ أهل المنزل لا زالوا مستيقظين.
  • حين خروجك من المنزل حاول ألا تترك فيه أشياء ثمينة ، وإن أردت ترك ( اللاب توب ، الآيباد ، الكاميرا ) حاول أن يكونوا في مكان مخفيّ، أو غير متوقع .
  • لو استطعت تركيب كاميرا مراقبة في منزلك فلا تتردد ( لزيادة الأمان لا أكثر ) .

نصيحة الجدّات الثمينة : لا تثق بأحد ولا تكلّم الغرباء ولا تفتح الأبواب لمن لا تعلمه، وهي _ لعمري_ نصيحة ذهبية وخصوصاً للمغترب الذي لا يعرف طبيعة الشعب الذي يسكن معه.

أختم بما قاله الشرطيّ قبل مغادرتنا قسم الشرطة بعد أن أنهيتُ تسجيل الإفادة وسألته: هل هناك أمل ولو ضئيل بأن يتم إلقاء القبض على اللص، أو إرجاع المسروقات؟ فابتسم وقال لي: لن أكذب عليك وأعدك خيراً ؛لكنّك لن ترى أشيائك مرة أخرى فاطلب العوض من الله ( بكلّ صراحة أو بكل وقاحة لا أدري ) ..

وتبقى النصيحة الأثمن والتي يمكن لها أن تحميك من السرقة هي:

إذا أردتَ ألا تتعرض للسرقة في إسطنبول.. فلا تكن من قاطنيها !

 

 

7 تعليقات

  1. الحمدلله على ماكتب .

    عوّضك الله خيراً حبيبينا أبو أحمد .

    السرقة التي لاتقتلك .. تقويّك

  2. أجارك الله في مصيبتك أخ ابو احمد
    اسأل الله ان يعوضك كل ما فقدته ويرزقك من حيث لا تحتسب
    شكرا لك على نصائحك الثمينه
    اعذرني لكن في النقطة الخامسة ذكرت “ان يكون للنوافذ سوا حديديا” ، اليست كلمة “سورا” اسم “يكون” مرفوع بالضم ؟ 🙂

    • أحسن الله إليك وبارك فيك
      نعم صدقت وقد عدلتها
      شاكراً لك فضلك وتنبيهك وأسعد جداً لملاحظاتك في المرات المقبلة ..

اترك رد