مقاربة نفسية للأزرار الجديدة للفيس بوك

بتُ أكثر إيماناً أنّ الدراسات الاجتماعية والنفسية لمواقع التواصل الاجتماعي لم تأخذ حقها في البحث العربي
و المتابع لي يعرف كم مرّة تحدثتُ عن هذا الموضوع وربما أزعج بعض الناس لكني حقاً مهتمٌ بهذا الأمر.
في عام 2014 أعلن ‫#‏الفيسبوك‬ إتمام دراسة نفسية خضع لها حوالي 700 ألف مستخدم للموقع عبر أسبوع كامل، وتكشف أبرز نتائج الدراسة عن حدوث “عدوى” بين المستخدمين في المشاعر الإيجابية والسلبية؛ مما يعني أن مزاجك وشعورك يعتمد إلى حدٍ كبيرٍ على ما تراه من منشورات على فيس بوك
[ رابط الدراسة هنا]
أيّ أن الفيسبوك قادر على تحديد مزاجك العام عبر ما يعرف باسم [ العدوى العاطفية ] حيث أنّ المنشورات اليائسة والحزينة هي أكثر انتشاراً وتعاطفاً من المنشورات الإيجابية والسعيدة ..
طبعاً كان الهدف من الدراسة هي جذب الإعلانات والمستثمرين وعرضها على المستخدم بطريقة تشعره أنه بحاجة إليها [ أي أنّ الأمر في النهاية اقتصاديٌ بحت] .
“تظهر إعلانات فيس بوك لكل مستخدم حسب تفضيلاته، ونشاطاته، والصفحات والمنشورات التي يُسجّل إعجابه بها على الموقع، لكن التغيير الجديد سيسمح لفيس بوك بتعقب بيانات المستخدمين عند زيارة مواقع وتطبيقات أخرى، واستخدامها بعد ذلك لأغراض الاستهداف الإعلاني” حسب ما ذكر أحمد الخطيب في مقاله المنشور على ساسة بوست
بدايةً علينا أن نعرف أنّ وسائل التواصل الاجتماعي عمودها الرئيس هم [ الموارد البشرية ] فأيّ وسيلة اجتماعية لا يتواجد على منصاتها أشخاصٌ كثر تذبل وتموت لصالح منصات أقوى [ أغلبنا يذكر المنتديات كيف أنها شبه اندثرت وبقيت فقط كأرشيف لعدد من القضايا التي كانت في يومها مهمة ].
الفيسبوك؛ وحيث أنّه الشبكة الأضخم انتشاراً من حيث عدد الأفراد المتواجدين عليه [ في آخر إحصائية بلغ عدد المشتركين 1,59 مليار مستخدم دون اعتبار الأشخاص الذين سجلوا لمرة واحدة ثم تركوه نهائياً ، أيّ أن الرقم أكبر بقليل من هذا الرقم ] وبالتالي فإنّه لو كان مكاناً حقيقياً لكان عدد السكان فيه أكبر بقليل من عدد سكان الصين !

منذ انطلاق الفيسبوك لم نكن واعيين لآثاره النفسية والاجتماعية ، وكان أغلبنا فرحين به كونه شيئاً جديداً ، والأمر الآخر أنّه يكافئنا بسرعة [ نكتب منشوراً وبعد دقائق أو ساعات نجد نتيجة ما كتبنا بإعجاب أو تعليق يؤيد فكرتنا أو يثني عليها ] لكن بعد مضي عدة سنوات بدأت نتائجه تظهر على سلوكياتنا اليومية ، وليس بالضرورة أن تكون كلّها إبجابية كما هي العادة بل هناك آثار سلبية تصل إلى حد الانتحار أو الاكتئاب الحاد أو القلق المفرط أو الثقة الزائدة أو تشوّه رؤية الذات الحقيقية ، ناهيك عن حالات التحرش الالكتروني والتعدي اللفظي وغيرها .
ما لفتني (وهو محور حديثي اليوم )  “أزرار التحديث الجديدة” التي أتاحها الفيسبوك للمستخدمين لتغدو جنباً إلى جنب مع زر الإعجاب المعتاد ، وقد تم استبعاد زر عدم الإعجاب لما له من آثار نفسية على المتلقي أو ربما في خطة لاحقة يضاف لا أدري ..

الأزرار الجديدة ومعناها :

الزر الأول : القلب [ أحببته ] ويكفي دلالة على أنّ الكلام أو الصورة أو الفيديو قد أعجبني بشدة لدرجة أشعر أن كلمة أعجبني لم تعد كافية فهذا الزر هو المناسب لها [ وفي الغالب يكون لشيء يستحق فعلاً ، لكن الآثار السلبية إن تم تبادله بين الجنسين بمعنى غير واضح فربما فُهم بمعنى خاطئ، ولا يخفى على أحدٍ ما المقصود.
الزر الثاني : زر الضحك ، وفي الغالب هذا الزر يكون للمنشورات الفكاهية وقد يكون عوضاً عن الابتسامة الطويلة في التعليقات.
الزر الثالث : زر [ واو ] وهنا يكون إما للمبالغة في الإعجاب أو للصدمة حيال شيء غير متوقع ..
الزر الرابع : [أحزنني] ،وهو خاصّ بحالات المرض أو الوفاة أو المصائب [ وما أكثرها ] فكان سابقاً من غير المقبول أن نضع [ أعجبني ] على صورة شهيد مثلاً ، أو بيت مهدّم ، أو مقطع فيديو مؤلم ..
الزر الخامس : أغضبني [ وهو البديل المخفف عن عدم الإعجاب ] ويضعه المرء ربما لأنّ المكتوب لم يعجبه ، أو أن صاحب المنشور تعدى حدود الأدب واللياقة العامة ، أو بالفعل الكلام المكتوب سبب غضباً لشخص ما ، ربما إن كان الكلام يخصّه بشكل شخصي أو يمس عقيدته أو مبادئه أو تقاليده الخاصة ..
الشيء السلبي في كل هذه الأزرار هي عدم قابليتها على تشريح الحالة بالضبط ، وربما يساء فهمها في بعض المنشورات ..
النفس مجبولة على حبّ المديح _ وأيّ مدعٍ بأنّ المدح لا يهمه _ فهو واحد من اثنين إما كاذب أو مخادع لنفسه ، ولننظر إلى علاقاتنا الافتراضية هنا كيف أنها تؤثر على حياتنا العامة سواء بالسلب أو الإيجاب [ تخيل انتظار لايك من شخص محبب إليك كيف سيجعل نفسيتك ! ] ورز أغضبني سيسبب هذه الإنزعاجات النفسية وإن لم يصرّح صاحبها بذلك علناً ..
علينا أن نكون واعيين أنّنا نبدأ بتشكيل صفحاتنا الاجتماعية ثم تقوم هي بتشكيلنا [ قولبتنا ] والوعي وحده كفيل بإدراك هذه التغيرات الصغيرة التي تؤدي في آخر أمرها إلى انحراف كبير في المسار.أختم بكلمة الدكتور “أحمد قطشة” حين قال: “إنّ الانترنت هو فجوة في الزمن. لايشبه الأمر اتصال الهاتف هنا، بل هو مركب لأنه يتضمن الصورة أيضاً. يتضمن تفاعلاً أصيلاً مع الحدث البعيد عنك. أكثر من ذلك، هذا (الآن) هو مستمر ومتجدد، فعلاً هو متجدد عند كل قراءة وعند كل تعليق وعند كل لايك. هناك إعادة انتاج لتلك (الآن) بحيث تصبح مستمرة ومتجددة عبر الزمن والتاريخ. بل وأنت مطالب متواجد في ذلك (الآن) دائماً. حتى لو كان منشوراً كتبته قبل شهر وأحدهم وضع تعليقاً عليه (الآن) !

أخيراً .. قوِ مناعتك الداخلية ، وابنِ حصونك العاطفية جيداً ، وكن واعياً لما يجري داخلك وحولك ولا يضرّك بعدها شيء !

2 تعليقات

  1. أهلا أبو أحمد 🙂

    تأثير مواقع التواصل – نستطيع أن نقول – شامل لكل جوانب حياة المستخدم .
    قد يكون هذا مبالغة إلاّ إذا نظرنا إليها – أي : مواقع التواصل – كـوسيلة إعلام ذات مميّزات فريدة ومختلفة .
    هي تؤثّر على نفسية ورأي وصحّة وعلاقات المستخدم ،
    وأظنّك سمعت أو قرأت عن تلك الفتاة التي قتلت نفسها بسبب تعليق يسخر منها على موقع ask.fm .

    هناك سؤال مهم يدخل فيه الموضوع الذي ذكرت – تأثير أزرار الفيسبوك الجديدة على نفسيات المستخدمين – وغيره من المواضيع :

    كيف سيكون وضع هذا الجيل حينما يكبر ؟
    يعني ماهو تأثير مواقع التواصل في تكوين الشباب الفكري ؟

    جيلنا يمضي ، لكن إلى أين ؟
    لا أدري .

    * هنا ورقة حول موضوع له علاقة بما كتبت ، تم تقديمها في أحد المتلقيات العلمية في الكلية ، فيها الكثير من الأخطاء لكنها تبقى محاولة فريدة جيدة .

    https://drive.google.com/open?id=0B-IFEq-QAUGSMU5SVjE3dmJrdmM

    • اهلاً حزام
      لا بد أن يتفرغ أهل الاختصاص لهذا الباب من المعرفة
      أتمنى أن يتفرغ أحد من طلبة علم الاجتماع لدراسة ذلك الامر
      شكراً لك وللورقة التي كتبتها 🙂

اترك رد