النُكتة

لا يثير غيظي شيء بمقدار رؤيتي شخصاً يضع ميمزاً* أو مقطع فيديو مضحك على وسائل التواصل، أو يسرد نكتة محكمة ثم يقابل من الطرف الآخر بالبرود أو طلب الشرح؛ فالنُكت – عندي – لاتُشرح ولا تُحلَلّ، ولو فعلنا ذلك ماتت بهجتها.
أفهم أن ردات فعل الناس على شيء مضحك مختلفة، ربما لا يرونه مضحكاً أساساً، أو يرونه سخيفاً، أو لعله في وقت تلقيهم النكتة لم يكونوا في مزاج رائق، أو أن ذهنهم مشغول بمصيبة حلّت بهم أو بأحد أحبابهم، كل هذه مفهوم ومقدّر، لكن حديثي عن غير ذلك تماماً.
حديثي عن الحالة الطبيعية التي يكون فيها كل السياقات تشير إلى أنّ حدثاً مضحكاً قد وقع، وطرفٌ ما تلقاه ببرود أو عدم فهم.

تعريف النُكتة:

هناك إشكاليات كثيرة في تحديد معنى النكتة، وتعريفها تعريفاً شاملاً دقيقاً، ومع ذلك يقول (عبدالله الهاشمي) عنها: “تقنية لغوية بالغة التكثيف والسخرية، شديدة النفاذ بمضامينها المركزة التي تغني الواحدة منها عن مقال كامل أو حديث مسهب”.
حتى أنّ لفظة النكتة في تراثنا الإسلامي كان لها معنىً اصطلاحياً مختلفاً عما يتداول اليوم، فحسب ما ذكر(الشيخ عبدالله الفوزان) عن معاني النكتة فهي تأتي بـ 3 معان:
1- العبارة المنمقة الجميلة.
2- “مسألة دقيقة أخرجت بعد نظر وفكر” وهذا ما يأتي كثير في كلام أهل العلم.
3- “الجملة اللطيفة التي تحدث في النفس انبساطاً” وقد تكون بهذا المعنى مرادفة للفكاهة.

فهم النُكات.. عملية معقدة

بعد أن قرأتُ عدداً من الكتب حول موضوع النكتة والضحك، وكيف أنّ الموضوع يختلف جذرياً من بلد لآخر، ومن ثقافة لأخرى، بل حتى داخل البلد الواحد، فما يتعارف عليه أصحاب منطقة ما لا يعده آخرون من غير منطقة مضحكاً، ومن المعروف أنّ الحماصنة (أهل حمص) مشهورون بخفّة الدم وسرعة البديهة والنكتة الحاضرة حتى في المخيال الشعبي العربي، ومع ذلك فبعض النكات إذا هاجرت من منطقة جغرافية محددة إلى منطقة أخرى تفقد رونقها وتصبح عسيرة الفهم على الذهن.

منذ مدة قصيرة شاركتُ في حسابي بتويتر وقلتُ إنّ الظرافة أو خفّة الدم ليست مشاعاً لكل أحد، ولا يحسنها كل الناس، وفي المقابل أيضاً لفهم النكات يجب توفر عدة عوامل رئيسة في الطرف المقابل منها:
1- فهم اللغة المحكية.
2- فهم السياق العام لها.
3- سرعة البديهة.
ومما أكد لي هذا الظنّ مقطعاً جميلاً لآدم فيلبس ( مرحباً حنان انظري من ذكر اسمه هنا ) يحكي فيه عن النكتة يقول فيه: “لو قلتُ لك سأخبرك بنكتة عظيمة؛ فأنا لا أستطيع إخبارك بنكتة عظيمة، أستطيع إخبارك نكتة وأنت ستخبرني إذا ما كانت عظيمة بردك.
إذا سردتُ نكتة الآن قد تكون مُحرجة حدّ الإيلام، أو ناجحة بشكل مدوٍّ، ولكنها ستكون نوعاً من اختبار المحبة للجمهور، هل نحن معاً في هذا أم أنني في الحقيقة معزول/ منبوذ”.

آدم فيليبس/ النكتة

يمكنكم حضور اللقاء كاملاً هنا وهو لقاء رائع للأمانة.

هناك مراجع كثيرة لفهم هذه الظاهرة سأرشح لكم منها كتابين و3 مقالات إضافة لمقطع الفيديو السابق.

فلسفة الفكاهة تيري أيغلتون.. مصدر الصورة
كتاب الفكاهة والضحك للدكتور شاكر عبدالحميد

الكتاب الأول ( فلسفة الفكاهة ) لتيري إيجلتون.
الكتاب الثاني ( الفكاهة والضحك ) لشاكر عبدالحميد.



أما المقالات
1- الظرافة – رجا حلواني وإليوت ليدا.
2- النكتة أصلها وحقيقتها.
3- النكتة لغتها ووظائفها.

رجاء أخير: لو كنتَ من مستخدمي الفيبسوك ومرّ معك منشور مضحك أو صورة ميمز أو فيديو ساخر لا تضع لايكاً أزرقا ( من شو بيشكي الأضحكني) إذا ما أضحكك لا تحط شي يخي.

* الميمز: للاستزادة عن ماهية الميمز(mems) مراجعة هذا الموقع ففيه سرد لطيف عن كل ميمز أجنبي ( شكراً واثق الشويطر عرفت الموقع منك).
مصدر الصورة البارزة unsplash

الاثنين 14 رمضان 1442هـ الموافق لـ 26 أبريل 2021م.

اترك رد