مقبرة الأحياء

يبالغ الإنسان في تقدير مدى أهمية الأشخاص من حوله، ويقع فريسة الظن السيء حين ينفضّ عنه أقرب الناس.

ولكننا في المقابل نشعر بأنّ الهشاشة التي ترافق علاقتنا المتنوعة تنعكس على سواءنا النفسيّ، وسلامتنا الصحيّة.

لكل منا دوائر اتصال تكبر أو تصغر حسب اتساع شبكة العلاقات، ويغالط المرء نفسه حين يعطي اعتباراً لأناس ويضعهم في مراتب عليا وهم في المقابل لا يرونه سوى محطة عبور في يومٍ شاتٍ.

السؤال الأهم الذي يجب طرحه على أنفسنا كل يوم.. هل من المطلوب أن يبقى أقرباؤنا وأصدقاؤنا ومعارفنا معنا على طول الخط وإلى الأبد؟

هل من المنطقي أن أطلب من صديقي الذي رافقني في مقاعد الدراسة الابتدائية أو الثانوية أن يبقى صديقي للأبد وإن اختلفت دروبنا ومشاكلنا وهمومنا وآراؤنا؟

لو بلغتَ عشرين سنة أو يزيد فأنت حتماً قد مررتَ يوماً ما بموقف يتخلى فيها أحد الناس عنك، أو تتخلى أنت عن أحدهم.

وبغض النظر عن الأسباب التي دعتهم للترك، أو دعتك للمغادرة، إلا أن غصّة تبقى عالقة في الحلق بعد مراجعة سجل علاقاتك.

ربما جمعكَ معهم أوقات رائعة.. ومحادثات خلاقة.. وذكريات لا تُنسى
لكن فجأة، كما تذوي الشمعة وتنطفئ، ماتت العلاقة بينكم وذبلت.

قد لا تعرف الأسباب، وقد تعرفها لكنك تراها تافهة لا تستحق هذا الانقطاع والجفوة.

في داخل كلّ منا طفل يداري خيبته بمعارفه وبمن حوله، ويرفع سقف توقعاته منهم، وينسج ملاءات الانسجام بينهم على طول العمر، وفجأة يجد يديه خلواً من الأصدقاء والمقربين الذين قاسموه يوماً يمين البقاء.

يقول الإمام ابن حزم رحمه الله في كتابه [ الأخلاق السير في مداواة النفوس] عن حدّ الصداقة:

كتاب “في مداوة النفوس” صفحة 55

وكم كان صادقاً رحمه الله في توصيف الحالات التي يكون فيها المرء محبوباً ممن يبغضه، أو مبغوضاً ممن يحبه، وهذا هو الشقاء بعينه.

هذه التدوينة لكل من تركه صديقه في منتصف الطريق دون أن يوضح له السبب..

ولكل من رحل عنه أحباؤه دون إنذار، ولكل من التفت في مسيره فوجد نفسه وحيداً دون صُحبة..

هذه الحياة تمضي على سَنن الفراق، ومن وطّن نفسه على أن كل قريبٍ سيؤول حاله للبعد هدأتْ نفسه.

الجمعة 4 رمضان 1442هـ الموافق لـ 16 أبريل 2021

اترك رد