هذا العالم الافتراضي حقيقيّ لدرجة مخيفة .. وفي الأسطر التالية ستعرف ماذا أقصده!
“نكتة قد تدمّر حياتك”
في ديسمبر من عام 2013م ، امرأةٌ من نيويورك تعمل في سلك العلاقات العامّة اسمها [ جاستن ساكو] كانت في مطار هيثرو ومتوجهة إلى إفريقيا في عمل لها، قبل صعودها للطائرة غرّدت بنكتة لمتابعيها الـ 170 على تويتر مضمونها الآتي : إني ذاهبة إلى إفريقيا.. أرجو ألا أصاب بالإيدز، أنا أمزح؛ فأنا بيضاء!
Going to Africa! Hope I don’t get AIDS. Just kidding. I’m white!
— JustineSacco (@JustineeSacco) ٢١ ديسمبر، ٢٠١٣
ركبت [ جاستن] الطائرة ونامت طوال رحلتها التي استمرت لمدة 11 ساعة، فور وصولها لوجهتها، شعرت بشيء غريب، ورأت بعض الباباراتزي ينتظرونها بلهفة لالتقاط صورة لها ، وبالفعل حصلوا على ما أرادوا، وهي لم تدرك بعد ما الذي يجري، أخرجت هاتفها من حقيبتها لتفاجئ بعشرات الرسائل تنهال عليها، أصدقاء ومعارف، بعضهم معزين، و بعضهم الآخر مواسين، لكنّ الرسالة التي أشعرتها بالخوف حقيقة هي تلك التي وصلتها من [ هان ] صديقتها: “اتصلي بي فوراً ،لقد أصبحتِ [ ترند ] على تويتر والناس كلها مشغولة بقصتك”.
لم تدرِ ( ساكو ) ماذا حدث في هذه الساعات العشر التي غابت فيها عن تويتر، ولم تعلم ماذا فعلتَ لتصبحَ ترنداً على تويتر.. لاحقاً عرفت الأمر، إنها ” التغريدة” التي كتبتها قبل سفرها..
طارت تغريدتها في الفضاء السايبروني بشكل مفزع، وغرّد مشاهير مستائين من فعلها، علّق بعض المغردين أنها تستحق الإصابة بالإيدز فعلاً وأنّ تغريدها عنصرية، وافتتحوا وسماً باسمها [ #HasJustineLandedYet ] أصبح بعد أيام عالمياً، ثم رُفعت دعوى قضائية عليها، وفُصلت من عملها، و أصبحت وحيدة ومنبوذة بلا عمل ولا دعم، ووراءها ألوفٌ من الغاضبين القضاة، وسيرة مشوّهة أينما ذهبت، وكل ذلك بسبب “تغريدة”
قالت [ ساكو ] لاحقاً إنها قالتها مزاحاً ولم تكن تعرف مدى سوء ما كتبت..
السؤال هنا: هل ما فعلته [ساكو] يستحق كل هذا ؟ هل ردة الفعل الشعبية ضدها مساوية لخطئها في التغريدة؟ لو أرادت التكفير عن فعلتها ، ماهي القرابين الواجب تقديمها للمجتمع الغاضب حتى يرضى عنها؟ أعتقد لا إجابة شافية حول هذه الأسئلة حتى الآن ..
هنا سرد للقصة على منصة تيد وبعض الدروس المستفادة
[ted id=2302 lang=ar]
يبدو أنّ الاعتذار لا مكان له في السوشيل ميديا .. و حين تخطئ؛ يصبح خطؤك مضاعفاً .. ولا تكافؤ منطقي بين الذنب المرتكب والعقوبة الجماعية التي تقع على المخطئ، وكما يقولون في العاميّة ( الغلطة بكفْرة ) = أي أن خطأً واحداً قد يكون مسبباً للكفر ( والكفر هنا مقصوده اجتماعيّ لا عقديّ ) .
“التصويت كأداة للقتل”
صحفية إنكليزية كتبت مقالةً اشتم منها الناس رائحة عنصرية ضد امرأة مقعدة، فدخلوا على تويتر ليعبرّوا عن غضبهم وكرههم لتصرفها الأرعن عبر وسم ( الموت لـ ( فلانة )، لم تُعر ذلك أهمية كبيرة، بل اعتبرت أنّ هذا من دواعي الشهرة، وهي مسرورة كون اسمها أصبحاً ” وسماً ” ( بعضهم يرغب بالشهرة كرغبة القفطي * )
بعد يومين وجدت مقتولة في بيتها والقاتل مجهول .. تكرر الأمر مع أكثر من شخص، وفي كل مرّة يصبح فيها شخص ما ” ترند” يُقتل بطريقة غريبة.
بعد أسابيع بلغَ عدد الضحايا 350 ألف شخصية عامة ( طلاب ومهندسين وأطباء ومشاهير ورجال أعمال ورجال سياسة ) وكلّهم ماتوا وفق حفلة موت جماعيّة قبل أن تعرف الشرطة السرّ؛ منظمة لديها أجهزة متطورة على شكل ” نحل إلكتروني” يخترق الجسم مسبباً آلاماً حادة، ويودي بحياة الضحية فوراً ..والطريقة التي تختار فيها الضحية هي التصويت على تويتر وأيّ ضحية تنال أعلى نسبة تصويت تكون هي الضحية التالية على مسلخ السوشيل ميديا !!
نعم .. ليس ما قرأته حقيقياً بشكل كليّ_ وإن كنّا غير بعيدين عنه بشكل كبير_ المشهد السابق هو جزء من مسلسل أمريكي صدر مؤخراً، يعالج قضية تماهي العالم الافتراضي بالعالم الواقعي، وكيف يمكن للتكنولوجيا أن تكون قاتلة بالنسبة للكثير ، قدّم المسلسل جرعة هائلة من العمل الإبداعيّ الاحترافيّ الممتع المسبب للكآبة كونه ينبش أعماق النفس البشرية وأين يمكن أن يصل بها الأمر في الانتقام والعنف والقسوة !
هل تظنّ أنّ هذه الصورة القاتمة خيالية بشكل مفرط ؟ هل لا زلتَ تؤمن أنّنا لا نمارس هذا الأمر كلّ يوم بوعي منّا أو دونه ؟!
في عصر [ السكرين شوت ] لا أحد ينجو من مقصلة التشهير، والكلام لا يموت، بل يبقى إلى الأبد !وبعضنا يتفنن في إنزال الأذى بالآخرين، وربما يبدأ الأمر بمزحة، لتنتهي بجريمة أو ضرر بالغ لا يُعلم مداه.
قبل أسابيع نشر موقع الـ BBC تقريراً استقصائياً عن حالات التنمّر والعنف الإلكتروني، وذكرَ فيه قصة انتحار امرأة هنديّة تبلغ من العمر 40 عاماً، بعد أن انتشر في قريتها، عن طريق خدمة رسائل “واتساب”، فيديو تعرضها للاغتصاب الجماعي.
“مؤخراً، استخدمت قنديل بالوخ، القادمة من إحدى قرى إقليم البنغاب، وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الشهرة من خلال نشر صور “سيلفي” مستفزة على الإنترنت. تحدت قنديل، المعروفة بكيم كارديشيان باكستان، الأعراف الاجتماعية الباكستانية بتبنيها الثقافة جنسية الطابع للإنترنت وانتهى بها الأمر مخنوقة على يد شقيقها في شهر يوليو/تموز لجلبها العار للأسرة”.
وسائل التواصل الاجتماعي سلاحٌ ذو حدين يمكن لها أن تكون منصةً للمظلومين، يوصلون من خلالها أصواتهم للعالم بعيداً عن أعين الرقابة والحكومات الظالمة، متجاوزين حدود الزمان والمكان واختلاف الثقافات، وهي وسيلة ضغط أحياناً ، ويمكن أن تكون منصة للتعبير عن زحمة الأفكار التي لم تجد أذاناً تسمعها..
وفي نفس الوقت هي أداة تدمير هائلة، إن أسيء استخدامها، وهي وسيلة ابتزاز أخلاقي، وأداة تنمّر إلكتروني، وبوابة عنف محتمل.
في مواقع التواصل الاجتماعي نحبّ أن نأخذ دور الضعيف الذي يُسقط النخبة، وأن نكيل لهم الاتهام، على أرض الواقع أغلبنا لا يجرؤ على ذلك، بينما في العالم الافتراضي كلنا نفعلها وإن بدرجات متفاوتة، خاصة إن شاركَ أحد المشاهير ( هوامير تويتر أو اليويتيوبرز ) بالاعتداء أو السخرية من شخصٍ ما، لنفرّغ كل عقدنا النفسية، وأزماتنا الأخلاقية في هذا المربع الأبيض، ناسين أو متناسين الآثار الناجمة عن هذا التنمّر على الأشخاص البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة ..
إذاً كنتَ هشّ القلب، ضعيف العريكة، حسّاس المشاعر، لا توغل في مستنقع” وسائل التواصل” لأنّ أول ما تناله منها هو أن يذهب صفاءُ قلبك، وتغتال براءة روحك..
يتبع في الجزء الثاني ..
وأنتَ عزيزي القارئ، هل تعرّضت لموقف مماثل على شبكات التواصل كان سبباً في إحداث حرجٍ بالغٍ لك ؟
شاركني برأيك إن أحببت 🙂
====
- المسلسل المذكور في التدوينة هو : blackmirror بمواسمه الثلاثة وهو جدير بالمشاهدة .
- كان هناك رجلٌ يسمى ابن القفطي من كبراء فقهاء الحنابلة سمع بكتاب الخطيب البغدادي تاريخ بغداد وأنّه كتاب جليل، فقال هل ذكرني الخطيب في كتابه في الثقات أم في الضعفاء؟ قالوا والله ما ذكرك لا فى الثقات وفى الضعفاء. قال ليته ذكرنى ولو فى الكذابين! ليته ذكرني ولو في الكذابين!.
سلمت يداك.. تحليل جميل جدا
كنت قد شاهدت حلقة جون رونسون قبل حوالي السنة تقريبا و اعدت مشاهدتها اكثر من مرة لأفهم الفكرة لأني صراحة لم أتصورها بداية ! الأن وبعد أن قرأت مقالة “الهاشتاج” للأستاذ أحمد سالم قبل أيام قليلة واليوم هذه المدونة أصبح عندي تصور واضح للمسألة
أذكر قبل حوالي سنتين تقريبا خرج أحد الدعاة السعوديين مع زوجته على برنامج الثامنة على ما اذكر وكانت زوجته كاشفة الوجه وكان الداعية يقول بكشف الوجه للمرأة، وبالطبع تمت “هشتجته” من قبل عدد من مستخدمي تويتر الذين نصبوا أنفسهم حكاما عليه وراحوا يسوقون الاحاديث والايات التي تنص على تغطية الوجه ولم يخل الأمر طبعا من الاستهزاء والتشهير البعيد كل البعد عن النصيحة التي أقرها ديننا الحنيف
يبدو أن الأمر فعلا بحاجة لدراسة نفسية يمكن ضمها إلى قائمة الدراسات التي صرنا بحاجة شديدة لها لتفسير كل هذه الظواهر التي كشفتها لنا مواقع التواصل الاجتماعي بصورة جلية عن النفس البشرية، الأنانية، الاستعلاء، حب الظهور، الأحكام المسبقة، العجب،الغيرة، حب التقليد… الخ
وكما ذكرت فكلنا نقف على النقرة خاصة من جانب هوامير مواقع التواصل ومن كان هش القلب فمن الأفضل له أن يبني سورا حول قلبه أو أن لا يوغل في هذا المستنقع أصلا
لكن باعتقادي مهما حاول الشخص تحييد مشاعره وممارسة اللامبلاة مع ما يقال عنه فلن يستطيع أبدا ألا يتأثر ولو بدرجة خفيفة
بالنسبة لي لم اتعرض لهكذا موقف بسبب عدم شهرتي ولله الحمد 😅
لكن “بكرا لما أكبر وأضربكو” ويصبح لدي صفحة عامة و عشرات الآلاف من المعجبين سأفكر كثيرا قبل نشر أي شيء لكن لن يخلو الأمر أبداااا من سوء فهم حتى لو لم يصل ل “الهشتجة” 😃
أهلاً بك يا شفق
شكراً للقراءة أولاً
نعم أذكره ( أحمد الغامدي ) أظن وهبت رياح التكفير عليه إلا قليلاً 🙂
وأوافقك بشدة بشأن الدراسات وهي للأمانة موجودة في الغرب وبعضهم متخصص في ذلك
في الجزء الثاني سأتكلم عن هذا الأمر إن شاء الله
إن شاء الله تكبري وتصيري هامورة 🙂
ما نال أحمد الغامدي أقل مما يستحق، ولا يساوي أصلًا حجم الاحتفاء به، والرجل من قرية زوج خالتي، وشاهدت بأم عيني كيف تحول الرجل إلى شخصية هامة.
رغم اتفاقي على بشاعة هذه الممارسات، لكن من المهم الانتباه إلى المنطقة التي يتقاطع فيها مفهوم “التنمر” مع مفهوم “إنكار المنكر” ، خاصة وأن مفهوم المنكر ككل المفاهيم غير الشرعية، يحوي دلالات سليمة وفاسدة.
حياك الله حسان
بصراحة ليست قضيتي أحمد الغامدي وإنما ذكرته لأنّ الأخت ذكرت سيرته، وبالنسبة للنقطة التي تفضلت بها وهي تقاطع التنمر والنهي عن المنكر فهي مهمة جداً لكني حسب مشاهدتي نادراً ما أرى إنكاراً للمنكر وفق الضوابط الشرعية وخصوصاً في وسائل التواصل ، ولو راقبت وسماً معيناً ( ولا بدّ أنك فعلت مرة ) لوجدت كمية السباب والشتائم وهتك العرض بذكر الأم والأقرباء 🙂
ولا أعتقذ أن هذا يندرج في باب إنكار المنكر باللسان ..
” من مطالبنا القليلة جدًا في هذه الحياة أن لا يتدخل في خصوصياتنا أحد.
“ويل سميث”
باعتقادي هذا الباب جرنا لكثير من المشكلات ومازال البعض غافل ومتغافل عنها،
من باب آخر شخصياً أتكلم، سوء ظن الناس وخيالهم الوسيع قتلنَنا ولمّا يحيين قتلانا، ياأخي استفحلت لذة الغيبة والنميمة طباع البشر أصبحت غذاء روحهم المستساغ ينفثون منها أقذاراً كوّنت هالة سوداء حول ضحية فلت على لسانه مافلت عن طيب نفس اعتاده فيظهره كمرآة عكست بصفاءٍ حديث قلب لم يعتد خبثاً ومخابثة،
والأسى هنا لامجاراة لضعيف ذا قلب نقي مع قوي مستشرس خبيث يُظهر الحسَن من القول لمن شاء وكيفما شاء، بارع فنان أوتي جوامع الكذب بأي حديث يخوضه، فماالذي سيصدر بعد ذلك من ضعيف لم يفقه قولاً وكذباً مع نظراءه!! إلا هجر تلك الوسائل كتابة ومشاركة وحديثاً لما ينجم عنها وكما تفضلت وأجدت وأجزت، معتكفاً على نفسه سعيداً ربما بوحدته! إلا أن يأتي من ينغص عليه حتى لذته بخلوته، وخاب ها هنا من حمل طِيبَا.!
لا مفرّ يا رجاء من التلوث في هذا الزمن .. لكن الغاية كل الغاية هو العبور بأقل الخسائر الممكنة
حتى الوحدة الخالصة هي وهم ، لكن بناء جدران زجاجية أحياناً يكون حلّ مجدٍ
لكن أن ننال كل ما نرجوه فلا أظنّ أن هذا مما يتاح لنا في هذه الحياة القاسية 🙂
ننتظر الجزء الثاني بعونه تعالى
بإذن الله قريباً ..
بعد زمان ..اشتقنا لأسلوبك وكلماتك اب أحمد ♥
“إذاً كنتَ هشّ القلب، ضعيف العريكة، حسّاس المشاعر، لا توغل في مستنقع” وسائل التواصل” لأنّ أول ما تناله منها هو أن يذهب صفاءُ قلبك، وتغتال براءة روحك..” أكتر جملة عجبتني..
وبرأيي كمان انو الكلمات الي مننشرها بتأثر فينا ” جوانيا “بشكل مخيف اكتر من تأثيرها الخارجي…
الله حييك يا أب غسان
وأنا والله مشتاقلكم
أكيد كل شي منكتبه بيأثر فينا ولو على المدى الطويل
كيفك أب أحمد 🙂
أعلق مشان أسلم عليك بس ، بانتظار الجزء الثاني .
يا هلا بحزام .. حياك الله
أنرت .. بإذن الله قريباً