كتابٌ ومنشور و10 نصائح

تقبل الله طاعتكم جميعاً.. ها نحن على أبواب العشر الأخير من رمضان! لقد مرّ الوقت سريعاً جداً، ولا يعرف المرء سرعة انقضائه إلا حين ينظر للطريق خلفه فيرى أنّه قطع شوطاً لا بأس به دون أن يشعر.
رمضان أوشك على النهاية؛ رزقنا الله وإياكم فيه القبول والغفران.. وقبل يومين وقعتُ على كتاب صغير الحجم جليل الفائدة يتحدث فيه مؤلفه عن 11 وصيّة لدخول العشر الأواخر فيما يخص الاعتكاف، فرأيتُ أن أشارككم إياها بدون كثير شرح.

حينما يعتكف القلب

حينما يعتكف القلب صـ 3

1- قطعُ العلائق عن الخلائق:

إن سرّ الاعتكاف وغايته، الخلوة بالله وتفريغ القلب وقطعُ علائقه بالخلائق، ولهذا كان اللائق بالمعتكف أن يكون منهمكاً في التنسك والعبادات الخاصة، مقبلاً على ربّه بتخلية القلب لله، والإلحاح في طلب رضاه، والإلحاف في نيل مغفرته وعفوه.
إنّ جلّ الطاعات وكثيراً من العبادات تجتمع للعاكف المنفرد الخالي بربه، وأعظم هذه العبادات وأشرفها عبادة القلب.

2- العيش مع القرآن:

لبّ العبادة وحياة القلب مصدرها الأول: كتاب الله، الذي جعله الله روحاً وحياةُ ونوراً،

وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الشورى] (52)

ولا غرو أن يجد المؤمن حياة قلبه في تدبر القرآن لأنه يتذوق بتلاوته المتأنية حلاوة المناجاة لكلام ربه، فيعيش في آفاق الآيات التي يسري روحها في خلجات قلبه، فيجد حينها لقلبه حياة أخرى، ولقراءته لذّة لا يصفها لسانه، ولا تدونها أقلامه، وذلك لعظمة الخطاب الرباني وروعة جماله الذي يسلب عقل المتدبر فترق نفسه ويلفها سكينة وخشية، فيتجلى للقلب من المعاني ما يفيض نوراً وغيثاً يضفي على القارئ جلالاً وجمالاً.

3- جمعية القلب وصدق إقباله:

إن غاية الاعتكاف ومقصوده: استقامة اقلب، والقلب لا يستقيم على صراط الله إلا بإقباله بكليّته على الله، ومتى ما انصرف عن الله وسبح في أشتاتٍ بعيدة عنه، فقد فاته المقصود من الاعتكاف ولو كان الجسد عاكفاً.

4- استشعار معيّة الله لعبده:

إن استحضار هذه المعيّة ومراقبة الله لعبده بحاله، وإحاطته بسرّه وعلانيته، وقوله وعمله؛ لهو كفيلٌ بإزالة الغشاوة عن القلب وزوال غبار أوضار الدنيا، ليحلّ محلها الإخلاص الذي يلفّه سياج الصدق مع الله وابتغاء ثوابه وعطائه الأخروي.

5- تعظيم الله تعالى:

إنّ الأصل في عبوديتنا لله تعالى أن تكون قائمة على توقيره وتعظيمه وإجلاله، ورمضان وعشره الفاضلات، والاعتكاف، بوابات مباركة لتنمية هذا التوقير والتعظيم في قلوبنا، وهذه المناسبات في أعظم مورثات هذا المطلب الجليل.

6- افتقار العبد إلى ربّه وشعوره بالحاجة إليه:

إنّ الاعتكاف في بيتٍ من بيوت الله، اعتكاف قلب، صورة حيّة لمشهد ذلّ العبد وافتقاره لمولاه، ولا تتم العبودية إلا “بتكميل مقام الذل والانقياد، وأكملُ الخلق عبودية أكملهم ذلاً وانقياداً وطاعة، والعبدُ ذليلٌ لمولاه الحقّ بكل وجه من وجوه الذلّ، فهو ذليل لعزّه، وذليل لقهره، وذليل لربوبيته فيه وتصرفه، وذليل لإحسانه إليه وإنعامه عليه”.

7- استحضار منّة الله وفضله:

إن المؤمن الحق هو من يديم استحضار مشاهد مننَ ربه عليه، لأنها قد طوقت المؤمن طوقاً يملاً الأرض والسماء، فهو الذي أفاض عليه نعماً أعلاها نعمة الهداية التي يعجز اللسان عن الوفاء بقدرها، حيث أخرجه ربه من ظلمة الضلال إلى نور الهداية، ومن لجة الغيّ إلى رحاب الإيمان.

8- الاعتراف بالذنب والتقصير:

إن لمحة خاطفة وتأملاً سريعاً في ابتهالات الأنبياء والصالحين ومناجاتهم وأدعيتهم، يكشف لك سراً يكتنفها، ألا وهو اشتمالها على الاعتراف بالذنب والظلم، وإليك سجلاً وصفحات مشرقة من اعترافهم بالذنب والظلم:
فهذا آدم وحواء يدعوان:
قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [ الأعراف] (23)

وهذا موسى عليه السلام – وهو من أولي العزم من الرسل – يدعو:
قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [القصص] (16)

وهذا يونس عليه السلام يبتهل إلى ربه ويناجيه معترفاً بذنبه بل بكونه من الظالمين:
فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء] (87)

9- الإقبال على الله بمداومة الذكر:

إن استدامة ذكر الله واستغفاره والثناء عليه مشهدٌ من مشاهد عكوف القلب وصحته وبلوغه الدرحات الإيمانية:
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد] (28)

ولا شيء يذلل اللسان ويرطبه ويصقل الإيمان ويرفعه كذكر الله جل وعلا، سيما مَن حافظ على أوراد من الأذكار يعمر بها اللحظات، ويحيي بها القلب، وقد توادر الصالحون وتوافقوا على أنّ ذلك هو سلاح المؤمن الذي يخرق حجب الغفلة، ويفتح أقفال القلب في كل عصر، فكيف بعصرٍ تشابكت فيه عاديات الزمان وصوارف الأيام؟!.

10- الإقبال على الله بكثرة الدعاء:

إنّ عبادة الدعاء في العشر الأخير من رمضان وحينما يكون العبد عاكفاً، لها مذاق يعرفه المتضرعون المنكسرون بين يدي الله الباكون المتباكون، حيث يستشعرون القرب من مولاهم والوعد بالإجابة،
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [ البقرة] (186)

11- الإخبات والخشوع:

إنّ الله مدح في كتابه المخُبتين له، والمنكسرين لعظمته والخاضعين لكبريائه، فقال سبحانه:
وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ [ الحج] (34) وقال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء] (90).
وأصل الخشوع: لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء لأنها تابعة له.

حينما يعتكف القلب صـ 59

هذا ما كان في شأن الكتاب، أما المنشور فهو هذا والنصائح الـ10 في داخله.

الأحد20 رمضان 1442هـ الموافق لـ 2مايو 2021م.

مصدر الصورة البارزة:unsplash

2 تعليقات

  1. منشور مفيد جدًا يا فادي، وسأقرأ الكتاب بإذن الله. شكرًا لك مستمتعة جدًا بتدويناتك الرمضانية.

اترك رد