لا أحد يحبّ أن يكون فظّاً أو أن يُعامل بفظاظة، ولأجل ذلك يُمدح في المجتمعات البشرية فعلُ “اللطف” والذي من اسمه يدلّ على رقّة في التعامل، وأدب في الحوار، وسلوكيات بسيطة ذات أثر نفسي ممتد.
لكن هل دائماً اللطف مطلوب في كل الأوقات؟ أو هل يُقابل اللطف دوماً بما يشابهه من الآخرين؟
سوء فهم
كثيرون يظنون أنّ اللطف يساوي الضعف، ويبررون لذلك بأنّ الشخص اللطيف هو الشخص “المتملق” الذي لم يستطع الحصول على حقوقه بقوة، أو لم يحظَ باهتمام ملائم، فيقدّم اللطف كطُعم للاصطياد، وهذا قد يكون صحيحاً في بعض الأشخاص الذين لا يرون في اللطف سوى “وسيلة” لتحقيق مآربهم الشخصية ولو على حساب الإساءة والإيذاء للآخرين.
مواقف
لو أردنا حصر الأفعال اللطيفة التي يمكن أن يقوم بها المرء لغيره لطالت القائمة، لكن هنا محاولة لسرد بعض تلك المواقف التي ربما مررنا بها جميعاً يوماً ما، فتنازلك عن دورك لشخص كبير في السنّ، أو القيام له في المواصلات العامة، أو إعطاء منديل لرجل يعطس بجانبك دون طلب منه ( قبل الكورونا) أو إهداء طفل صغير قطعة حلوى في الشارع، أو التبسم لغريب، أو مساعدة شخص يبحث عن مكانٍ تاه عنه، أو التهنئة بفرح والتعزية بوفاة، أو زيارة مريض لا تعرفه، وتجلب له هديّة.
كل هذه المواقف التي ربما مررنا بها مرّة واحدة على الأقل في حياتنا، قد تُفهم من قبل الآخرين كسلوك طبيعي في إطاره وسياقه العام دون تحميله تبعات لا تلزمه، وفي نفس الوقت قد يكون كل فعلٍ من هذه الأفعال بذرة للشك والتساؤل حول الغرض الحقيقي من الفعل.
وأحدثكم عن نفسي؛ وكثيراً ما وقعتُ في هذا الأمر حيث أنّ بعض الناس تفهم هذه السلوكيات بشكل خاطئ أو تحمّلها تصورات غير دقيقة، فكم من مرّة تمدح شخصاً – لا لهدف ولا لغرض – فيرى هذا الفعل منك “محاولة للتقرّب منه! وبعضهم قد يوغل في سوء الظنّ فيرى أن تقربك منه لنيل حظوة أو كسب منفعة.
ومن عادتي – التي أدرّب نفسي على التخفف منها – أنّي أبادر للسؤال عن الآخرين في حال غيابهم، وتفقدهم، والاطمئنان على أحوالهم، لكن وللأسف غالباً ما تكون ردات الفعل تجاه تصرفي مخيبة للآمال، وبعضهم يعدّ هذا من “الحشرية”.
ومن الطبيعي أنّ السلوكيات والأخلاقيات لا تثمر مع كل الناس، وليس كل البشر على سويّة واحدة في تقبل الخير، عوّد نفسك ألا تنتظر منهم مقابلاً، واستبطن في داخلك نكران الجميل، ونسيان المواقف المشرّفة، لأنّ هذا طبع البشر، وإذا رأيتُ من يستغلّ لطفك لأهوائه ورغباته فأوقفه عند حدّه، مهما كان الشخص مقرباً منك، لأنّك ستكون الخاسر الأكبر في هذه العلاقة.
فالحلّ ليس أن تتوقف عن كونك لطيفاً، لكن أن تتوقف عن كونك “لطيفاً أكثر من اللازم”،
بالمناسبة هذا اسم كتاب أنصح به ( لا تكن لطيفاً أكثر من اللازم).
السبت19 رمضان 1442هـ الموافق لـ 1 مايو 2021م.
مصدر الصورة البارزة: unsplash
صحيح تماما، وما أكثر المواقف التي يساء الفهم فيها بسبب تصرف لطيف صدر عن أحدهم وهذا ناتج عما ترسخ في أذهاننا منذ الصغر “لا يوجد لطف ليس من ورائه مصلحة شخصية”
بالنسبة لهذه الجملة (ومن عادتي – التي أدرّب نفسي على التخفف منها – أنّي أبادر للسؤال عن الآخرين في حال غيابهم، وتفقدهم، والاطمئنان على أحوالهم، لكن وللأسف غالباً ما تكون ردات الفعل تجاه تصرفي مخيبة للآمال، وبعضهم يعدّ هذا من “الحشرية”) مررت بها شخصيا وأحاول التخفيف منها أيضا.
للأسف هناك مفاهيم مغلوطة عن طبيعة اللطف في مجتمعاتنا، وربما بسبب موقف تعرض له الشخص يترك ممارسة ما اعتاد عليه درءاً لسوء الفهم.