لماذا قد تكون أسماءنا المستعارة أصدق في التعبير عن حقيقتنا من الأسماء الصريحة؟

منذ أن قررتُ استخدام اسم “حلم حمص” في الكتابة على منصات التواصل  الاجتماعيّ؛ والأسئلة تأتيني عن سبب التسمية، ولمَ اخترتُ هذا الاسم بالذات؟ وإلى ما يرمز؟ وهل أنا مرتاح بالتعبير عن نفسي من خلاله حتى لو اختفى اسمي الحقيقي بسببه؟
كل هذه الأسئلة محقة، وبعضها لديّ إجابة شافية عنه، وبعضها الآخر لا زلتُ أفكر فيه للآن.


ولعلي أعود يوماً فأدّون مطولاً عن سبب اختيار الاسم ومناسبته، لكني أحبّ هنا أن أقول إنّ اختيار الأسماء الوهمية أو “الحركية” ليس أمراً جديداً، بل فعل هذا الأمر عدد كبير من الأدباء والكتّاب والسياسيين، ولا أقول هذا تشبهاً بهم، لكني قصدي إنّ التخفي وراء أسماء وهمية ليس أمراً مستغرباً كثيراً.


وحين بحثتُ قليلاً عن المشاهير الذين ارتدوا أسماءً ليست لهم وجدتُ عدداً لا بأس به فعل ذلك في بداية حياته، وبعضهم استمر في ذلك حتى وصلت شهرة الاسم المستعار – الحركي – أكثر من الاسم الحقيقي.


ولعل أبرز الأمثلة على ذلك، جورج أوريل ( واسمه الحقيقي إيرك آرثر بلير) وكذلك صاحب الرواية الشهيرة “أليس في بلاد العجائب” لويس كارول ( واسمه الحقيقي تشارلز لودوغ دودغسون).
والشاعر التشيلي الشهير بابلو نيرودا ( واسمه الحقيقي ريكاردو نيفتالي).
وقيل إنّ أول من لجأ إلى التخفي تحت اسم مستعار هو “فولتير” واسمه الحقيقي ( فرنسوا ماري أرويه) وكان الهدف من ذلك عدم الخلط بينه وبين اسم شاعر معاصر كان يحمل ذات الاسم.
ومن أبرز الأسماء المعاصرة  التي تخفت وراء اسم مستعار الكاتبة الإيطالية الشهيرة “إيلينا فيرانتي“.
 حيث نشرت أكثر من 8 روايات (أكثرها حضوراً في الذاكرة الرباعية الشهيرة: صديقتي المذهلة، حكاية الاسم الجديد، الهاربون والباقون، حكاية الطفلة الضائعة؛ والتي حولتها شبكة (HBO ) إلى مسلسل، وأدرجتها مجلة تايم ضمن أكثر الشخصيات تأثيراً لعام 2016.


صورة إعلان المسلسل على شبكة HBO


وتصدرت رواياتها قوائم الكتب الأكثر مبيعاً في كل أنحاء العالم، وتُرجمت إلى عدة لغات عالمية، ومنذ أن نشرت أولى رواياتها بالإيطالية عام 1992 ولا أحد – سوى وكيل أعمالها – يعرف شخصيتها الحقيقية ولم ينشر لها صورة على الإنترنت.
هذا  الغموض المثير للاهتمام، وخصوصاً في عصر الإنترنت وصعوبة التخفي، قام عدد من الصحفيين المغامرين بأكثر من عملية بحث استقصائية لمعرفة حقيقة الشخصية الغامضة، وتوصلت خيوطهم إلى 3 شخصيات، لكن حتى اللحظة لا يمكن التأكد من أن نتائجهم دقيقة.

أسباب الاختباء:


هناك أسباب كثيرة قد تدفع المرء للتخفي وراء اسم مستعار، أبرزها:

أسباب سياسية: كثير من الناشطين أو المعارضين لسلطة ما يختبئون وراء أسماء حركية أو مستعارة، وذلك خشية من بطش السلطة بهم، خصوصاً لو أنهم في نفس البلد.

أسباب عائلية: قد يضطر المرء للكتابة باسم مستعار هرباً من تطفل بعض أفراد العائلة، وكونهم لا يرغبون بأن ترقبهم عيون الخالات وأبناء الخالات، فليجئون إلى الاسم المستعار، فهو أخفى للعين، وأبقى للمودة.

أسباب جندرية: يعمد بعض الكتاب – وخصوصاً في مجتمعات معينة- إلى تبديل أسمائهم إلى أسماء معاكسة للجنس الخاص بهم/ فالرجل يكتب باسم أنثى، أو المرأة تكتب باسم رجل ( كما حصل لأمانتين أورو لوسيل دوبين التي كتبت باسم “جورج صاند” إذ أنها كانت من عائلة أرستقراطية فرنسية في القرن الثامن عشر الميلادي، وتزيّت بزي الرجال لتصل إلى مجالس المفكرين وندواتهم التي كانت محرّمة حينذاك على النساء)، أو للهرب من القولبة خصوصاً لو كان الكاتب/ الكاتبة متخصص في مجال دقيق.

أسباب شخصية: الرغبة الدفينة في أن تكون لا مرئياً ولا مشهوراً، وأن يتلقى الناس كلامك بمعزل عن شخصك، وهذه الرغبة ظهرت بشكل واضح أيام ثورة المنتديات، والتي كان يعبّر المرء فيها عن ذاته ومكنوناته ولا أحد يعرف اسمه الحقيقي، فيظهر الإبداع بمعزل عن تقييم الشخص ومكانته الاجتماعية.

وقد يكون هناك أسباب كثيرة أخرى مثل خوف الكاتب من ازدراء الجمهور إذا عرف صغر سنه، كما حصل للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله وذكر ذلك في ذكرياته أنّه كان يوقع مقالاته باسم [ أبو الهيثم ] لأنّه كان صغيراً حينها، والمواضيع التي يطرحها كانت أكبر من عمره، فخشي  ألا يتلقى الجمهور كلامه بالرضا والقبول، ارتأى أن يوقعها باسم حركي، وكان حينها دون العشرين.

ومهما يكن من أمر، فالكتابة وراء اسم مستعار أو حركي لا تعفي المرء من التبعات الأخلاقية والقانونية إذا أذى أو شهّر أو أساء لأحد، والحريّة التي يمنحها لك الاسم المستعار لا تعني التخلص من الرقابة الذاتية على ما تنشره وتكتبه.

وأنتم.. هل تفضلون الكتابة بالاسم الحقيقي أو المستعار؟

الأربعاء 9 رمضان 1442هـ الموافق لـ 21 أبريل 2021م .

4 تعليقات

  1. حيَّرتني المقالة؛ خاصة فيما يتعلق بإيلينا التي لم اكن اعرف عنه هذه المعلومات من قبل.. وصرت افكر لو اخترت لي اسم مستعار ماذا يمكن ان يكون.. 😅
    شكرًا للتدوينة اللطيفة

اترك رد