مجرد تعب*

«عليك أن تتخيَّل «سيزيف»، وقد أنهكه التعب، وهو يتخلَّى عن دحرجة حجره؛ سنشعر، آنذاك، بأننا قريبون منه». [فيجاريلو]

قبل يومين قرأتُ مقالاً عن التعب، بعنوان [ تاريخ التعب..من العصور الوسطى إلى حاضرنا] يسرد فيه كاتبه رحلة التعب من خلال عرض لكتاب بعنوان «تاريخ التعب: من العصور الوسطى إلى حاضرنا – Histoire de la fatigue : Du Moyen Âge à nos jours» .

غلاف كتاب فيجاريلو “تاريخ التعب” باللغة الفرنسية

يقول كاتب المقال: “إنّ الشعور بالتعب والإرهاق يختلف من عصر إلى آخر؛ ففي العصور الوسطى، عُدَّ تعب الحاجّ المنهك الذي يشقّ طريقه بين الجبال، للوصول إلى الدير أو الخلوة، عبادة، كما عُدَّ تعب المقاتل في المعارك تعباً نبيلاً، في حين قُوبل تعب المزارع في الحقول بنوع من الازدراء، وقد تطلَّب الأمر تطوُّراً بطيئاً لتتغيَّر هذه النظرة. أمّا في القرن التاسع عشر، ومع ولادة المجتمع الصناعي، فقد عُدَّ إرهاق العمال موضوع تقييم ومحاولة تبرير، غير أنه، في نهاية هذا القرن، وبداية القرن العشرين، بدأ التفكير في التغلُّب على هذا الإرهاق ومقاومة التعب والإجهاد من خلال أنشطة جديدة متمثِّلة في الرياضة والاسترخاء والاستجمام.”

تعب مستمر

وإذ أستمر في القراءة أتخيل كل أشكال التعب التي يمكن أن يمر بها المرء في حياته، فألمح أن حياته “من بدايتها إلى نهايتها” رحلة تعب يتخللها أوقات استراحة.
فمنذ أن يبدأ الطفل سنواته الأولى في محيطه وأسرته يتعرّف لأول مرة على شكل مبسط من أشكال التعب، ذلك التعب المضني الذي يرافقه للوصول إلى طرف الغرفة بدون أن يقع مرات عديدة أو يستسلم، ثم يعرف أن هذا شكل مضحك من التعب بعد دخوله المدرسة ويواجه مشاكل ومتاعب من طراز مختلف.

أتذكر تعب الشاب من بحثه الجاد عن عمل كريم أو وظيفة تليق بشهادته وخبراته دون ان تستنزف عمره وكرامته.

وأتذكر تعب الأم في إدارة بيتها وتعليم أبنائها وتلبية حاجات زوجها والانتباه لكل تفاصيل الحياة اليومية بعين مفتحة وقلب مكلوم، ويدين مرفوعة إلى السماء.

أتذكر تعب الأب في تأمين لقمة العيش في زمنِ أصبح فيه التخلي عن المبادئ والقيم أسهل طريق للوصول إلى المجد.

اتذكر تعب الطالب المجدّ في تحصيل درجات عالية لعلمه أن شهادته ستكون سلاحاً بيده في الأوقات الصعبة.

أتذكر تعب الفتاة في أسرة لا تعرف اهتماماتها، ولا تقدر تطلعاتها، ولا تسمح لها بأن تتنفس كأي فتاة طبيعية، وتمارس حياتها بشكل اعتيادي.

أتذكر تعب المقهور من انتظار قصم ظهر ظالمه، وهو يراه يتطاول في العدوان والبغي.
أتذكر تعب المنهكين الذين ملّوا من كل شيء، ولم يعد يأبهون لأي شيء، يريدون أن يروا خط نهاية الرحلة مهما كانت النتائج.

رحلة مطولة من التعب لا يسلمُ منها أحد مهما عظمت مكانته، وعلا شأنه، وفي كل مرحلة من العمر تعب يناسب حمل ظهرك لا يتعداه.

بسام حجّار.. “مجرّد تعب”

وما تمرّ عليّ لفظة “التعب” إلا ويخطر ببالي بسّام حجار وذكائه وحسّه المرهف حين سمّى ديوانه الشعري [ مجرّد تعب ] يقول فيه:

” لكنه مجرّد تعب.. تعب كمثل أن تنتبه فجأة وتجد أنك في المكان الخطأ، في اليوم الخطأ وتجد انك نفسك الرجل الخطأ. ومع ذلك تتظاهر بان ما وجدته في هذه الاخطاء كلها هو الصواب الذي أتاح لك أن تحيا إلى الآن، وحين تنهار الأشياء من حولك، وتقيم على العتبة طويلاً وكثيراً وبإفراط ما بعده إفراط، تحسب أنّه مجرّد تعب، وإن التعب فكرة خاطئة لكنها لا تزول.. “

تعبٌ لذيذ

أما الجانب الجيّد من التعب، فلو أردتَ التعرّف إليه، فما عليك إلا أن تقرأ وتهضم وتحفظ المقال الذهبي لإبراهيم السكران فرّج الله عنه المعنون بـ:[ جسر التعب ] لتعرف أنّ ليس كل تعب مذموم، وهناك من يتعب ليرتاح.. فكن واحداً منهم.

تعريفات

“التعب: هو الملاك الذي يلمس إصبع ملك نائم، فيما يواصل الملوك الآخرون نومهم الخلو من الأحلام” بيتر هاندكه

“التعب المحض، الذي لا علّة له، الذي يفجأ كهدية أو طاعون: من طريقه أؤؤب إلى أناي، أتعرفني “أنا” ما أن يتلاشى أعود جماداً لا حياة فيه” سيوران

اقرأ أيضاً: لماذا نحن مرهقَون لهذا الحد؟.. عندما يهتم التاريخ بتفسير تعبنا

الأحد 6 رمضان 1442هـ الموافق لـ 18 أبريل 2021

=====================================================

عنوان التدوينة مأخوذ من اسم ديوان لبسّام حجار حرفاً ونصاً.*

اترك رد