في عام 2018 وفي معرض الكتاب في إسطنبول حظيتُ بفرصة لاقتناص بعض الكتب المميزة بأسعار لا يحلمُ بها أكثر القرّاء، والتوفيق المحض كان وراء هذه الفرصة، فلم أخطط لها، بل جاءتني على طبق من ذهب.. وإليكم تفاصيل القصة:
من المعروف أنّ كل دار نشر حين تشارك في معرض للكتاب يكون لديها هامش ربح مقدّر مسبقاً، وتقوم بعض الدول المستضيفة بمساعدة الدور المتعثرة إما بشراء نسخ بكميات كبيرة وتوزيعها على المكتبات المحليّة، أو بتحمل قسم من الضريبة المترتبة عليهم جرّاء السفر والشحن والحجز الفندقي وأجور العاملين في المعرض.
وفي ذلك اليوم، كانت هناك دار نشر صغيرة – نسيت اسمها والله – لكني أذكر أنّه كان فيها شاب اسمه “محمد” دمث الخلق، لطيف المعشر، أصلع الرأس قليلاً، وأكثر ما يميزه أنّه حييّ – وهذه الميزة غالباً لا تصلح بالبيع والشراء – فكنت أراه حين يساومه المشتري على سعر كتاب يحمّر وجهه، ويتعرّق ويقول له: “مثل ما بدك ما منختلف”! وحين سمعتُ هذه الكلمة منه عرفتُ أنّ وراءه سرّ، فجعلته صيدي وخبأت ما أرغب به إلى اليوم الثاني.
وفي صبيحة اليوم الثاني كنتُ أول الحاضرين عند “محمد” وطلبتُ لي وله شاي وجلسنا نتحدث، ومن عادتي في المعارض أن أكسر حاجز التعارف بسرعة بيني وبين البائعين، وهم يعرفونني من كثرة ما يرونني في المعرض متجولاً بين الدور، ومشترياً، ومستفسراً عن الأسعار.
فقلت له: أبو حميد.. هات احكي لي شو قصة الكتب اللي عندك؟ فتلفت حوله وكأنه يريد أن يخبرني بسرّ وقال لي: للأمانة؛ هذه الكتب التي تراها ليست لي، بل وضعها عندي صاحب مكتبة يريد التخلص من الكتب بأي ثمن، ولا يهمه حتى لو بيعت كلها بلا مقابل! فأخذتها منه وجعلتها في الدار عندي أبيعها بأي سعر، لذلك تراني لا أفاوض كثيراً بها.
هنا لمعت في رأسي فكرة وقلت له: خيو أنا بشتريهن منك كلهم بشرط تعطيني سعر ما تعطيه لحدا غيري.
قال لي موافق لكني بشرط: الشراء يكون آخر يوم بالمعرض وسأضع لك النسخ التي ترغب بها جانباً حتى لا يأخذها غيرك.
وفعلاً تم الاتفاق، وبدأتُ أقتنص العناوين المميزة الموجودة والتي تهمني، وحصّلت وقتها أكثر من خمسين كتاب بين صغير وكبير ومجلّدات، وبسعر أخشى الإفصاح عنه خشية العين!

ومن ضمن هذه الكتب، الكتاب الذي وضعتُ اسم التدوينة به ( أسوأ المهن في التاريخ.. سرد لقصة ألفي عام من العمالة البائسة) وكنت أريد الحديث عنه لكن التدوينة طالت وأخشى الإملال عليكم، فلعله يكون في فرصة ثانية، وفي نفس الوقت أعطيكم بعض الإرشادات للتعامل مع البائعين في معارض الكتب ( نسينا كيف يكون شكل معارض الكتب بسبب الكورونا والله المستعان).
لكني أؤكد لكم أنّ مهنة “بائع الكتب” ليست من ضمن قائمة أسوأ المهن في التاريخ، وإن كانت مهنة مرمنسة* كثيراً وظاهرها يخالف باطنها.
====================
* يتم التعامل مع مهنة بائع الكتب برومانسية مبالغ فيها أحياناً، ولا يرى الزبون من البائع سوى شخص يعيش يومه الكامل مع الكتب، والحقيقة أن هناك أعمالاً شاقة وراء هذه الصورة لا يراها أغلب الناس.
لم أنتبه إلى أنّ تاريخ اليوم 23 أبريل يوافق مناسبة اليوم العالمي للكتاب إلا بعد وضع التاريخ في آخر التدوينة، لكنها مصادفة لطيفة.
الجمعة 11 رمضان 1442هـ الموافق لـ 23 أبريل 2021